السبت، 3 يناير 2009

نكمل الحصة ...

اذا كان الشق الأول من الحصة فيه مافيه من المشقة .. فما تبقى من الحصة هو مايحتاج الى مزيد من الجهد بالإضافة الى الصبر وطول البال ..
هبت الطالبات من أماكنهن على ثقة من أنفسهن بأن لديهن المقدرة الكاملة على التنفيذ .. وأنا بدورى أمنّى نفسى بذلك .. ولكن هيهات أن يكون هذا الواقع ..
مع سابق التجربة ... من لديهن المقدرة على تطبيق مابدأناه من خطوات لا يتعدى عددهن نفس النسبة السابق توضيحها ( ربع العدد تقريباً ) هذا فى أحسن الأحوال ، أما الباقيات فهن فى حاجة الى المتابعة خطوة بخطوة ..
انتقلت الطالبات على عجل .. كلٍ الى مكانها المعتاد .. ولكن لابد من ظهور شكوى أو أكثر فى بداية الأمر ..
" ياأستاذ .. البنت .............. قاعدة مكانى ، ومش راضية تقوم " مشكلة كل مرة ..
غالباً يُحل النزاع على الأماكن بصورة ودية .. دى تقعد هنا والأخرى تقعد هناك .. وانتهت المشكلة .
" كل الناس تفتح الأجهزة .. تنتظر لحد ما تحمّل .. وبعدين تدخل على الـ word " تعليمات البداية كل مرة ...
" يااستاذ الجهاز مش راضى يشتغل " تنادى إحدى الطالبات فى ركن الفصل ..
ألمح الجهاز من موقعى ..
" يا............. الجهاز شغال قدامك والله .. بصى على مفتاح الشاشة ............!! إشتغل ولا لأ !!! "
كل الناس ظهر أمامها البرامج زى ما أنا شايف .. نبدأ تنفيذ الموضوع اللى شرحناه من شوية ..
اللى نسّى الخطوات يقراها فى الكشكول .. و بعد كده ننفذ التمارين اللى فى كتاب العملى ..
" ياأستاذ ............. قائمة أيه !!" تبدأ الأسئلة التى تعطى الانطباع بعدم الفهم .. لكل ماشرحناه من لحظات ...
ثم أخرى .. الأمر أيه ......... !! ... وبعد كده نعمل أيه يااستاذ !! تلاحقنى الأسئلة بلا ترتيب من كل ركن فى الفصل ..
إمال أنا كنت بأشرح أيه .. الله .................... " أتأفف .. وأكيل لهم بعض اللعنات ..
كل الناس تنفذ معايا خطوة بخطوة ... لا حد يسبق .. ولا يتأخر ...
من قائمة ............ أمر ............. ظهر المربع الحوارى ............ نكتب الاسم .................
ظهر مفتاح التسجيل أمامنا !!!
هو فين يااستاذ !!
ياربى !!! .. والله قدام عينيكى .. إنت كمان نظرك ضعيف !!
نكمل ..........

نكتب أى نص .. وننسقه زى ما تعودنا قبل كده .. لما نخلص نوقف التسجيل .. كله ينفذ ....
.......................
.......................
شغلانة صعبة !!!
مش كده وللا أيه !!!
كتير لما اقعد مع نفسى ... أحادثها ...
هل ماأنا فيه ده عقاب دنيوى .. على ذنب إقترفته !!! ، واللا ده فعلاً القدر الذى ليس منه مفر !!!
مالى أنا ومال التدريس !!! لا دراستى ولا مؤهلاتى كانت تمت للتدريس بصلة من قريب أو بعيد ..
هل هو " القدر الأحمق الخطا والذى سحقت هامتى خطاه " كما يرددها على أسماعنا العندليب طيب الذكر ..
تلك بالفعل تساؤلاتى مع هذا القَدَر منذ مايزيد على خمسة عشر عاماً .. والتى لم يفدنى بالرد عليها حتى الآن ...
بجد بجد شغلانة صعبة ... وتنطوى صعوبتها فى التعامل مع طلاب فى هذه المرحلة السنية .. والأكثر منها هذا المستوى المتدنى من الفكر والتعلم ..

نعود مرة أخرى للحصة ...

كله متابع معايا الخطوات ... لحد كده كويس ..
نكمل المرحلة التانية من الماكرو ..
خطوة خطوة .. نشغل الماكرو اللى حفظناه من شوية ...
...................
...................
دقٌ على الباب من الخارج ... " أدخل " ...
ورقة الغياب ياأستاذ ... يطل أحد الطلاب برأسه .
" فين رائدة الفصل .. هاتى ورقة الغياب .. الغياب مظبوط ... وللا نعد الفصل !!! "
فيه بنت يااستاذ مشت من الفسحة ...
" بدون إذن !! إسمها أيه !! لازم تتكتب فى الغياب .. "
دى كانت تعبانة ياأستاذ ..
" ماينفعشى يابنت لازم تستأذن .. إسمها ايه !! وبعدين لازم نعد الفصل .. كله يخليه معايا هنا .. .. روح إنت يابنى وعدى علينا وانت راجع ... "
..................
..................
على فكرة موضوع حصر الغياب ده ، أو تجميع الكراسات للتصحيح ثم توزيعها مرة أخرى فى الحصة .. هى النافذة القانونية للمدرس إذا نضب معينه وأراد أن يمضى حصته فى سلام .
و يا سلام على هذا المدرس يا سلام !!!
فى موقعنا هذا .. هو الأفضل والمفضل لدى طلابه ، بل وإدارة مدرسته ، وموجهيه .. دفاتره دائماً مكتملة ومنظمة ، لا يثير مشاكل مع الطلاب ، فى حالة هدوء ورضا دائم مع النفس . أستاذ .. وفاهم شغله كويس !!! وغالباً ليس لديه مانع يعطيك نصائح فى الدين والأخلاق آناء الليل وأطراف النهار ..
....................
....................

كل الناس نفذت !! بيتهيألى الموضوع كده بقى مفهوم ..
واحدة توزع كتب العملى على الفصل ..
نفتح الكتاب على صفحة ..... تمرين ..... ، وننفذ الخطوات واحدة واحدة ..
أى طالبة عندها حاجة مش واضحة تقول لى ..
................
................

طالبات الحصة اليوم هن فى السنة النهائية لدبلوم المدارس التجارية .. ولتقريب الصورة هؤلاء الفتيات هن تمثيل متقن لتحالف قوى الشعب .. لكون المدرسة تقع فى مدينة اقليمية ما أصطلح على تسميتها ببندر المركز .. فهى لذلك تجمع بين فتيات الريف والحضر معاً .. وهنا تقع مفارقات كبيرة بين هؤلاء الفتيات .. بداية من التفاوت الواضح فى زى كل منهن ومظهرهن .. الى المشاغبات والمواقعات التى تحدث بينهن .. ودائماً بنت القرية هى المغلوب على أمرها ، ودائمة الشكوى من رفيقتها التى تتقن الغمز واللمز وتدبير المكائد .. ولذلك تجد الفصل دائماً منقسم على نفسه .. كلٍ طير على شاكلته يقع .. هذا من الناحية الخلقية والمظهرية .. إما من الناحية العلمية .. فالبنت الريفية هى الأكثر التزاماً وانضباطاً فى تلقى العلوم .. ولم اقل الأكثر ذكاءاً .. لأن التفوق فى التعليم الفنى ليس من معطياته الذكاء .. بل مجرد توفر قدر محدود من الالتزام والجدية .. تؤهله الى الانتقال الى مرحلة تعليمية أعلى سواء فى معهد متوسط أو تعليم جامعى .. وكثيراً ما يلتحق الكثير منهم بالتعليم العالى .. وفى خلال سنوات معدودة يعود الينا الطالب ذو المؤهلات الفكرية والعقلية المحدودة وهو يحمل شهادة البكالوريوس فى التربية والعلوم التجارية .. وينضم الى هيئة التدريس الموقرة .. لتدور العجلة من جديد .. وهكذا دواليك ... ولا أفضل من هذا تعليم !!!
أستعير فقرة أضفتها فى الشطر الأول من الحصة .. وهى أن ما ينطبق على طالبات الحصة هو ذات الصورة للطلاب ولكن بأكثر منها سلبية .. وحدّة فى التعامل .. وكثرة من المشاكل ...
وهذا ما حدا بى أن أترك التعامل معهم منذ أعوام مضت الى باقى المدرسين ( الأحدث ) .. وكفانى ما يعرف بالـ ( النِصاب ) القانونى المكلف به من قبل وزارتنا المنوط بها التربية والتعليم .. الى جانب مهام الاشراف على باقى هيئة تدريس المادة ..
..................
إنهمكت الطالبات فى عمل قد أخذ شكل الجدية ... أجاد فيهن من أجاد ، وأخريات ضيوف شرف من بداية الحصة الى نهايتها ..
يداخلنى شعور بالراحة والرضا عن النفس . أن تصل هؤلاء ( القلة ) من الفتيات الى هذا المستوى من الاستيعاب ، ولا أطمع فى أكثر من هذا ..
أنسحب خلفاً الى حيث مكتب يضم اوراقى فى ركن الغرفة .. أضع لمسات أخيرة على الحصة التى تكاد أن تنتهى .. أدون تاريخ .. أرصد غياب .. أضع بعض النمر للطالبات ..
أختلس نظرة على حوش المدرسة .. أستطلع نهاية يوم دراسى يكاد أن يلملم أوراقه ..
أنظر الى ساعتى .. قاربت الحصة على انتهائها .. باقى خمس دقائق فقط .. سرقنا الوقت ..
" كل الناس تقفل البرنامج .. زى ما تعلمنا .. ماحدش يحفظ حاجة على الجهاز طبعاً " آخر ماأوجه للطالبات من تعليمات ..
ضرب جرس الحصة فجأة – قبل موعده – وهذا ما يقع غالباً فى الحصص الأخيرة .
عادت الفوضى الى سابق عهدها ..
" كل واحدة ترجع الكرسى مكانه .. وممنوع ترك أى ورق أو مناديل فى المكان " أضيف بحزم وشدة هذه المرة ..
تتوجهن الطالبات مباشرة الى الباب دون انتظار إذن بالخروج ... فى تدافع وتزاحم لا يفرقهن عن تلاميذ فى الصف الأول الابتدائى ..
" مفيش فايدة " أردد مع نفسى ..
مرات أعنفهم على هذا التصرف ، ومرة أخرى أستسلم للموقف .. حيث أنها تقريباً الحصة الأخيرة فى اليوم الدراسى ...
أتمم على المكان ، أعيد الترتيب والتدقيق فى كل ماهو موجود ليعود كل شىء الى سابق عهده .. مُجبر على التأخير لبعض الوقت .. الى أن تخف حدة الفوضى التى ضُربت على المدرسة من انصراف الطلاب وما يستتبعه من تزاحم ، تدافع ، تناحر وقد تكون معارك فيما بينهم فى بعض المرات ...

تلك كانت أحداث حصة .. من جملة حصص ..
هى بمثابة سطر فى سيرة مدرس .. فى مدرسة ..
ضمن منظومة تعليمية .. تشرف عليها وزارة موكل اليها تربية وتعليم أبناءنا ..

لعل الرسالة تكون قد وصلت الى كل عقل لبيب ...

انتهت الحصة ...

____

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق