الاثنين، 27 أبريل 2009

رباعيات الخيام ...


شخابيط على هامش الصفحة

***
كثيرة هى الأفكار التى تتهادى فى رأسى
والتي أحاول ان اقتنصها واطرحها فى سطور وكلمات تملأ بياض صفحتى تلك ..
ولكن على طريقة الهواة أو المبتدئين أجدني عاجز فى أحيان كثيرة عن الإمساك بطرف الخيط أو بالأحرى الإقدام على مجاراة العقل .. فتجدنى أقدم خطوة وأؤخر الأخرى ..
لا لشىء سوى الخوف من أن تكون فكرتى تلك خارج نطاق المألوف ، أو فيها تعرية لعَوار فى الفكر أو الخاطر ..
أو بعبارة أخرى فيها تخلى عن الأقنعة التى نحيا خلفها ، ونؤكد على تواجدها يوماً بعد يوم ، ونتحسس موضعها ساعة بعد ساعة ..

***

فى كثير من الأحيان ..
لا نفهم الأشياء كلها رغم جلائها ووضوحها واعتيادنا عليها ..
لا نجد تفسير للأمور التي تحيطنا ونعيشها بكل تفاصيلها ..
كأننا نختفى خلف قناع اخترنا له شعار " عدم الانتباه "
كأننا نحاول ان نخفي عن أنفسنا حقيقة انتباهنا لما لا يعجبنا..
وكذلك من على الجانب الآخر لا يريدون ان نرى حقيقة وجوههم ...
ربما تتشابك افكارنا.. و تتصارع مشاعرنا..
إحساس ما داخلنا يريد ان يرى الحقيقة.. وإحساس آخر يحاول أن لا يراها..
يريد ان يبقيها في خانة الذاكرة المغلقة.. فى منطقة اللاوعى من عقولنا ..
حتى عندما تكون الأقنعة مكشوفة.. والوجوه واضحة المعالم لنا..
احيانا.. نرفض ان نصدقها.. نفضل ان نراها كما نريد..
لا نستطيع حتى ان نواجه الأقنعة الزائفة..
نخاف إن واجهناها ان نخسر الثقة فيما نملك من قناعات..
ونخاف أكثر إن اكتشفنا حقيقتها ان نخسر الثقة بكل ما حولنا من وجوه..
فلتبقى إذن الاقنعة ...

***
يحتلنا " الصمت" فقط ..عندما لا نجد ما نقوله..
او عندما لا نجد من يسمعنا..او من يفهمنا..او من يشاركنا ولو جزء يسير من اهتماماتنا ..
ويحتلنا " الحزن" عندما يسكننا كل هذا الصمت..
رغم الزحام والضجيج حولنا.. ورغم كل محاولاتنا..
اختراق جدار الصمت ولو بتفاهات الأمور
إلا انه صمت من نوع آخر لا تكسر حدته الصخب ولا الضجيج .

***
هناك دائماً محطات فى مسيرة حياتنا ..
عندما نمر عليها نتوقف دوماَ في منطقة معينة.. عند لحظة معينة..
تتراءى أمامنا أحداثها وكأنها وقع الساعة .. وبأدق التفاصيل ..
فتجرنا أحداثها إما الى دفقه شعورية بالنشوة والسعادة
وإما الى ألم وحزن دفين ..
هذا أو ذاك يداعب خواطرنا الى حين قد يقصر أو يطول أمده
حسب الموقف والحالة ..

***
هناك دوما ..إحساس ينمو داخلنا..يتغلغل فى أعماقنا .. يلازمنا فى صحونا وغفونا ..
يصبغ أيامنا بالسعادة أو الشقاء إلا وهو " الاعتياد "
اعتياد الفرح أو اعتياد الحزن

***

طفولة تمر.. شباب يعبر.. شيخوخة على الأبواب...
مراحل .. هى حياتنا تتداخل فيما بينها
فنتشبث بما انقضى منها ، ونتوجس خيفة دائماً مما هو آت ..
وفى المسيرة أحلام وآمال وطموحات
الكثير منها يتبدل .. يتحطم .. يضيع فى غمرة الحياة ..
ودائماً وابداً أحلام أخرى وآمال تتجدد وطموحات تُولد..
خيالات ترتاد الذاكرة.. أطياف تملأ الأماكن..
كل شيء يتواجد فينا..داخلنا..معنا..
وكل شيء قابل للاحتراق...للانكسار..للاختفاء..
كل شيء له وقت محدد للابتداء..وللانتهاء..
لا تستمر الأمور دوما كما بدأت..
ولا تنتهي غالباً كما نحلم ..

***


ومن الشخابيط
الى النظم البديع والأدب الرفيع ..
أفضل ختام بحلو الكلام ..
هى أصدق ماعبر به انسان عن خبايا وأسرار النفس البشرية ...

***

" رباعيات الخيام "

===

سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحر
نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كأس المنى
قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُ الَقَدر

...

لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان
...

غَدٌ بِظَهْرِ الغيب واليومُ لي
وكمْ يَخيبُ الظَنُ في المُقْبِل
ِولَسْتُ بالغافل حتى أرى
جَمال دُنيايَ ولا أجتلي
...

القلبُ قد أضْناه عِشْق الجَمال
والصَدرُ قد ضاقَ بما لا يُقال
يا ربِ هل يُرْضيكَ هذا الظَمأ
والماءُ يَنْسابُ أمامي الزُلال
...

أولى بهذا القلبِ أن يَخْفِقا
وفي ضِرامِ الحُبِّ أنْ يُحرَقا
ما أضْيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي
من غير أن أهْوى وأن أعْشَقا
...

أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَحَر
نادى دَعِ النومَ وناغِ الوَتَر
فما أطالَ النومُ عُمرأ
ولا قَصَرَ في الأعمارَ طولُ السَهَر
...

فكم تَوالى الليل بعد النهار
وطال بالأنجم هذا المدار
فامْشِ الهُوَيْنا إنَّ هذا الثَرى
من أعْيُنٍ ساحِرَةِ الاِحْوِرار
...

لا توحِشِ النَفْسَ بخوف الظُنون
واغْنَمْ من الحاضر أمْنَ اليقين
فقد تَساوى في الثَرى راحلٌ
غداًوماضٍ من أُلوفِ السِنين
...

أطفئ لَظى القلبِ بشَهْدِ الرِضاب
فإنما الأيام مِثل السَحاب
وعَيْشُنا طَيفُ خيالٍ
فَنَلْحَظَكَ منه قبل فَوتِ الشباب
...

لبست ثوب العيش لم اُسْتَشَرْ
وحِرتُ فيه بين شتى الفِكر
وسوف انضو الثوب عني
ولمأُدْرِكْ لماذا جِئْتُ أين المفر
...

يا من يِحارُ الفَهمُ في قُدرَتِك
وتطلبُ النفسُ حِمى طاعتك
أسْكَرَني الإثم ولكنني
صَحَوْتُ بالآمال في رَحمَتِك
...

إن لم أَكُنْ أَخلصتُ في طاعتِك
فإنني أطمَعُ في رَحْمَتِك
وإنما يَشْفعُ لي أنني
قد عِشْتُ لا أُشرِكُ في وَحْدَتِك
...

تُخفي عن الناس سنا طَلعتِك
وكل ما في الكونِ من صَنْعَتِك
فأنت مَجْلاهُ وأنت الذي
ترى بَديعَ الصُنْعِ في آيَتِك
...

إن تُفْصَلُ القَطرةُ من بَحْرِها
ففي مَداهُ مُنْتَهى أَمرِهات
َقارَبَتْ يا رَبُ ما بيننا
مَسافةُ البُعْدِ على قَدرِها
...

يا عالمَ الأسرار عِلمَ اليَقين
وكاشِفَ الضُرِّ عن البائسين
يا قابل الأعذار عُدْنا إلىظِلِّكَ
فاقْبَلْ تَوبَةَ التائبين
***

الأحد، 12 أبريل 2009

فى بور سعيد ...

أخذتنى الحياة طوال الأيام الماضية بمشاغلها .. ولم تعطنى الفرصة لمزاولة هوايتى المحببة أخيراً الى نفسى .. ألا وهى الانزواء الى ركنى القصى من المنزل والإنفراد بحاسوبى الذى مايلبث أن يحلق بى بعيداً فى هذا العالم الافتراضى الذى خلقته الشبكة العنكبوتية .. والذى كان فيه ملاذى الوحيد من الفراغ والملل الذى عانيت منه فى فترات طويلة من حياتى .
وتصادف أن جاء هذا التأخير مع آخر إضافة لى بالمدونة والتى كانت بعنوان " وقفة " وكأننى كنت اتوقع تلك الوقفة بالتحديد .. المهم كان هناك مايشغلنى .. وهو أفضل بكثير من معاناة الفراغ التى تلازمنى باستمرار .. ولو تعرضت لتلك الفترة القصيرة بالعرض لتفرقت الى أكثر من وجهة ..
كان من أهم معالمها هو تلك السفريات العاجلة الى مدينة بور سعيد والتى كانت تخص إجراءات التخليص الجمركى على السيارة ، وماتبعها من منغصات التعامل مع رجال المرور والتراخيص وخلافه .. وتلك تحتاج الى ان افرد لها صفحات وصفحات .. تزامن مع تلك الأسفار مهمة أخرى بخصوص الحصول على ترخيص بناء أو بالأصح تعلية للمنزل الذى أقطنه .. وتلك ايضاً كانت محل اختبار لقدرتى على الجلد والتحمل لسخافات وتعقيدات موظفى المحليات وطلباتهم التى لا تنتهى .. المهم اننى مازلت فى وسط ( المعمعة ) سواء بالنسبة لتلك المهمة أو الأخرى .. ولم انتهى من أى منهما بعد ..
خلاصة القول أنني خرجت من تجربة الأيام السابقة بعدة دروس .. منها على سبيل المثال .. انه لا محل لإنجاز مهمة أو قضاء حاجة فى وقتنا الحاضر إلا بالدفع أولاً .. وقد صارت الأمور الى ان اصبح هذا الجُعل أو المعلوم لا مداراة فيه ولا استحياء بل أصبح ( على عينك ياتاجر ) بلا أدنى خجل أو حياء .. وكان هذا عند كل باب طرقته لإنجاز تلك المهام الحياتية البسيطة .. الصورة الأخرى التى خرجت بها من تلك التجربة أن أوضاعنا وتعاملاتنا كأفراد من هذا الشعب الذى ينتمى الى تلك البقعة من الأرض أصبحت من السوء والرداءة ما يتوارى منه شعوب الأرض خجلاً ..
من باب التسرية عن النفس .. أتناول أحداث يوم امضيته فى سفرة مكوكية الى بور سعيد الأسبوع الماضى ..
بدأ يومى مبكراً استعداداً لأحداث يوم اتوقع فيه المشقة .. استقل سيارة من مدينتى النائية الى التالية لها والتى تفوقها حجماً وتعداداً .. اتوبيس مباشر الى بورسعيد ينطلق فى حدود السابعة .. زبائنه على مختلف مشاربهم من ذوى الجلاليب الواسعة الى اصحاب الياقات العالية الى سيدات منتقبات وأخر طالبات سافرات ، ومجموعة أخرى من طلاب العلم .. عرفت مؤخراً ان تلك رحلتهم اليومية ذهاباً واياباً الى تلك المدينة النائية حيث فرع جامعة القناة وبعض المعاهد والكليات التى اتخذت من المدينة مقراً لها .. قائد المركبة ملفت للنظر بزى شبه رسمى فى مجموعة من الألوان الغير منسجمة وأهم مايميزها هو ( الجرافته ) الحمراء التى يتحلى بها .. اتضح فيما بعد انها وجاهة وفزلكة شخصية من السائق الشاب ولا علاقة له بزى الشركة أو نحوه .. عدد الركاب فى المركبة يكاد يكون كامل العدد .. ولكن اتضح فيما بعد ان للرحلة خط سير ومريدين على طول الطريق مما سيجعلها تئن بعد قليل من الوقت بحملها الثقيل من بشر ومتاع وخلافه .. كانت تلك الرحلة بالنسبة لى هى الأولى من نوعها على هذا الخط .. وكذلك لقلة أسفارى نسيت متاعب السفر فى تلك المركبات ومعاناة من يستقلونها فى ترحالهم .. من قرية الى اخرى ثم الى المدينة التالية و التالية لها وفى كل وقفة يزداد عدد الركاب حتى لم يعد بالمركبة موطء قدم ، وكان أكثرهم من الطلاب على مختلف توجهاتهم .. وكان حديثهم وضحكاتهم التى تسربت الى مسامعى هى سلواى فى تلك الرحلة الطويلة التى امتدت لنحو الثلاث ساعات .. والتى عادت بى بالذاكرة الى تلك الأيام الجميلة حيث الجامعة والحركة والنشاط فى عنفوانه مثلما يتراءى أمامى الآن ..
أخيراً وصلنا بور سعيد .. مروراً بفاقوس ، والصالحية والقنطرة وماشابه .. فى رحلة امتدت لثلاث ساعات تقريبا ، هى نفس المسافة التى قطعتها الأسبوع الماضى فى أقل من ساعتين بالسيارة .. تاكسى من موقف الاتوبيس الى بوابة 21 جمارك .. والوجهة محددة .. تصريح دخول ، تليفون الى المدعو " مسعد " انبؤه بحضورى .. وهذا الـ " مسعد " حكاية يطول شرحها .. نموذج حقيقى للـ " بور سعيدى " الراسخ فى الاذهان .. فى مقابلتى الأولى له تعقدت الأمور وكأنها مشكلة الشرق الأوسط التى حارت الأمم فى حلها ، أما بعد ابراز الورقة فئة المائة جنيه .. أصبحت كل الأمور بقدرة قادر الى يسر وسهولة .. ولا مانع من عزومة على كوب شاى فى كانتين المقر .. رد المسعد انا فى الطريق اليك حالاً .. هذه الحالاً امتدت لأكثر من ساعة .. وانا فى اشد القلق من مرور الوقت .. أخيراً لاح فى الأفق بمحياه الكارتونى المميز بالكاب والجينز .. اظهرت له تبرمى بتأخره ، فجاءت ردوده مطمئنة ان كل شىء منتهى فى الحال .. دورة سريعة بين المكاتب التى ينتمى اليها بحكم وظيفته .. وكان كل شىء بالفعل الى انجاز تام ، فما كان منى الا ان نفحته ورقة أخرى من فئة العشرون على مجهوده اليوم أخذ يقلبها بين اصابعه فى غير اقتناع ، وأخيراً دسها فى جيبه وعلى وجهه ابتسامة رضا وقبول .. تركته شاكراً له على ماقدمه لى من معروف !! وبدوره شدّ على يدى منبهاً انه فى الخدمة فى أى وقت تحط فيه قدماى مدينة بور سعيد ..
انتصف النهار تقريباً .. موعد اتوبيس العودة عند الخامسة .. حسب المعلومة التى استقيتها من السائق صباحاً .. هل استقل اى وسيلة أخرى متجهة الى حيث الجوار أم انتظر تلك الساعات المتبقية ! كان الخيار الأقضل هو قضاء اليوم فى تجوال بالمدينة الى ان يحل موعد العودة .. بعض من التغيير أفضل من لا شىء !!
سرت على غير هدى فى شوارع المدينة ، ولا علم لى بأى من مسالكها أو احيائها .. من شارع الى ميدان الى شارع رئيسى عرفت انه مايسمى بالأفرنجى .. على مرمى البصر لمحت للشارع نهاية .. فإذا بها شاطىء البحر .. صدفة .. بالفعل ميناء وكورنيش ثم نصب فى نهاية الممشى تبينت انه قاعدة تمثال ديلسبس .. هو بالتأكيد الذى رأيته فى أحد الأفلام سابقاً .. ليس لى من حيلة سوى أخذ عدة لقطات له بكاميرا الموبايل .. الى جانب مسجد السلام المجاور له .. دوران بسيط وإذا بالشاطىء امامى مباشرة .. والأهم تواجد بعض الكافتريات التى تقدم الوجبات السريعة .. فلتكن مكافأتى على انجاز اليوم ساندوتشات الهامبورجر المحببة .. تناولت كيس الطعام وزجاجة المياه وعلى طرف المياه افترشت إحدى الصخور وتناولت طعام هو الذ وأطيب ماتناولت مؤخراً .. منظر البحر فى تلك الآونة من أبدع مايكون .. حيث النظافة ، والسكون التام .. الا من بعض العشاق الصغار يتهامسون على طرف الماء ، أو تحت الشمندورات المنتشرة على الشاطىء ..
لفت نظرى كم الأصداف والقواقع المتراكمة على الرمال .. أخذت افتش بينها على المميز والملفت منها .. لعلها تكون هدية رمزية للأبناء .. استغرقنى الوقت .. العودة مرة أخرى فى خط سير مغاير .. استفسار عن شارع التجارى .. جاء الرد انه بعيد تماماً عن مكان تواجدى .. اصرار منى على مواصلة السير الى حيث هذا التجارى .. أخيراً فى الشارع المقصود .. لم يكن لدى أى رغبة فى الشراء اليوم .. كرد فعل لما انفقته الأسبوع الماضى فى بعض الأغراض غير ذات القيمة .. لفت نظرى اليوم حالة الكساد والبوار التى اصبح يعانى منها الشارع الذى كان له شأن عظيم فيما مضى فى حركة البيع والشراء .. قطعت الشارع بطوله ولم تغرينى المعروضات بالتنازل عن قرارى الذى صممت عليه اليوم فى عناد شديد .. الساعة الآن الثالثة تقريباً باقى ساعتين على موعد الاتوبيس وقد استنفذت كل قواى من طول السير فى شوارع المدينة .. أبحث عن مقهى لأخذ قسط من الراحة قبل الانتقال الى موقف الاتوبيس .. جوار المقهى فرن افرنجى .. لا مانع من التزود ببعض ( القراقيش ) الطازجة مادام هناك مزيد من الوقت .. مع كوب الشاى .. استرجع أحداث اليوم الذى بدأته مبكراً وأقارنه بأيام كثيرة تمر بى فى اللاشىء فيساورنى شعور بالرضا على حصاد اليوم .. مرت الساعة فى رصد لحركة المقهى والميدان الذى يعج بالسيارات .. سائق تاكسى على المقعد المجاور تقريباً فى نقاش مع مرافقه حول حسبة بسيطة اختلفا عليها .. السائق يصر على أن الشهور من اول ابريل الى اول اغسطس هى خمسة أشهر ، والآخر يصحح له المعلومة بأنها أربع فقط .. عرضت عليه توصيلى الى موقف الاتوبيس فاستجاب على الفور .. وفى الطريق كانت نفس الحسبة هى مستهل حديثنا .. وتفرع الحديث من هذا المنطلق الى اصوله الشرقاوية ثم الى معاناة البلد من كساد التجارة .. ولا مانع من تواصل الحديث حول سفرياته المزعومة الى فرنسا وأسبانيا !! أخيراً المحطة الأخيرة فى بور سعيد ، المكان خارج المدينة تقريباً وواضح انه منشأ حديثاً .. انتظار خارج صالة الجمرك !! حتى وصول الاتوبيس .. مرور عابر لأكثرية الركاب من الصالة حيث لا متاع لهم ولا مشتروات .. من بينهم نفس طلاب رحلة الذهاب .. ينطلق أخيراً سائقنا المتحذلق فى رحلة العودة الساعة الخامسة والنصف .. تسير الأمور طيبة فى أول الأمر مما يبعث على الاطمئنان والراحة .. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن .. عطل مفاجىء فى المركبة بعد منتصف الطريق تقريباً .. محاولات مضنية من السائق وكمساريه للإصلاح .. وأخيراً يواصل السير حثيثاً حتى أول ورشة خاصة بالشركة .. ماتبقى من الركاب فى تلك الأثناء كان محدود العدد اضطر للبقاء صاغراً لأنه ليس هناك بديل سهل لمواصلة الرحلة غير تلك المركبة المشئومة .. ساعة أخرى فى الورشة فى جو مشحون بالتزمر والتململ من مرور الوقت .. وأخيراً فى محطة الوصول بعد رحلة استغرقت مايقرب من الخمس ساعات !!
تيسر لى بعدها الحصول على توصيلة أخرى الى حيث بلدتى التى غالباً مايلفها الهدوء والسكون مع تلك الساعات الأولى من الليل .. ولتنتهى أحداث يوم طويل فى أحضان أعزائى الصغار.. والذين ساورهم القلق لتأخرى الى تلك الساعة وتزامن ذلك مع انقطاع اتصالى بهم هاتفياً ..
وليبدأ الاستفسار مباشرة .. أيه اللى أخرّك كده !!! وليكون ردى لهم شافياً بنفس الطرح الذى أضفته اليوم ...