الجمعة، 27 مارس 2009

وقفـــة !!!


منذ الشهور القلائل التى استهللت فيها إطروحاتى المتواضعة تلك .. والتى أعلم جيداً انها لا ترقى الى الطرح الأدبي ولا تمت له بصلة ، وهذا اعتراف واضح وصريح منى بذلك .. ولكن هى محاولة متواضعة لصياغة الكلمات بشىء من الترتيب والتنميق فى العبارات لعلها تجد القبول لدى من يمر عليها سواء قاصداً ، او جاء مروره هنا عابراً ..
وخلال الفترة القصيرة المنقضية خرجت ببعض التجربة من تلك المحاولات المتفرقة لخلق موضوعات من هنا وهناك ..
أولى تلك الاستنتاجات .. أن الكتابة ليست بالأمر اليسير .. بداية من نسج الفكرة وبناء محاور الموضوع الى خروجها فى صورة يرضى عنها كاتبها أولاً وتجد صداها لدى من يقرأها فيما بعد ، ثانياً .. قاموس الكاتب اللغوى ومفرداته التى تعينه على عرض فكرته بأسلوب يرتضيه لنفسه ويكون هو المميز له من بين الآخرين .. ثالثاً .. الخبرات الحياتية ، الى جانب الذاكرة الموسوعية ، والخيال الواسع الذى يفند ويرتب الأفكار والأحداث ويخلق المواقف والشخصيات التى لابد أن يكون فيها الجديد والمبتكر دائماً ..
خلاصة القول أن مهمة الكتابة ليست بالأمر اليسير كما كنت أتصور .. ولكن هى من المهام الشاقة التى أدنى مؤهلاتها الاطلاع الموسوعى فى كافة المجالات ، والفكر الخلاق الذى هو منحة من الله سبحانه وتعالى ..
وبناءاً على ماخلُصت اليه سابقاً .. فكتاباتى هنا .. لا أدّعى انها من قبيل الكتابات الأدبية ولا تصنف على أى وجهة فنية .. ولكن ارتضيت لها أن تكون من قبيل ( الشخابيط ) او الثرثرة أو الفضفضة .. كما سبق وقدمت لها منذ البداية .. حتى لا يتهمنى أحد فيما بعد أننى قد اسأت اللغة أو الأدب فى تناولى .. وخير معين لى فى ذلك هو هذا الزخم الهائل من السلع المعروضة فى فضاء الشبكة العنكبوتية فى صورة مدونات أو منتديات بعضها يدّعى الأدب ، والكثير منها يندرج تحت باب التسلية والنقاش فى شتى المجالات ..
تلك تذكرة مرة أخرى لهوية الموضوعات التى أتناولها هنا فى مدونتى .. والتى قد يغلب عليها الصبغة الشخصية من سرد لمواقف حياتية ، وسيرة ذاتية فى جانب كبير منها .. والهدف منها ليس مجرد التسلية ، ولكن قد تكون من قبيل وقفة مع الذات من حين لآخر ، فيها مافيها من التأمل والتفكر في الأحوال الحياتية المتقلبة ، وقد تكون صحيفة احوال تسجل لمرحلة من مراحل العمر قد نعود اليها فى يوم من الايام – إذا طال بنا الأجل – أو يقلب ابناؤنا صفحاتها .. فترسم على الشفاه ابتسامة وتحمل الى الخاطر عبق الذكريات .. أما مايضاف اليها من موضوعات أخرى (الصور ، وماشابه .. ) فهى من قبيل الاهتمامات الشخصية والتى قد تعود بالفائدة على كل من يمر بها ولو بمجرد الاطلاع ... كل ماأتمناه الآن - وليس كل مايتمناه المرء يدركه - ألا تخذلنى إرادتي يوماً عن الاستمرار فى هذا النهج الذى بدأته .. وأن يكون كل هذا الى زوال .. لأى سبب من الأسباب .. حيث كانت مأساة حياتي التى مازالت تلازمني هى الأعمال المبتورة والغير مكتملة .. والتى هى مدعاة دائماً لعدم الرضا والقناعة بما أنجزت فى رحلة حياتى الطويلة ...

الأحد، 22 مارس 2009

مايكل أنجلو

مايكل آنجلو بوناروتي
(Michelangelo Buonarroti)

عاش مايكل أنجلو للفترة من (كابريزي، أريزو 1475- روما 1564 م) هو نحات، رسّام، مهندس معماري، وشاعر (جمع بين عدة فنون في آن واحد) إيطالي من عصر النهضة. كان فريدا في عصره، لم يستطع أحد أن يجاريه في فنه، وإبداعه المتأصل، وقوة تركيباته، كانت أعماله على رغم تنوعها يجمع بينها أنها كانت ضخمة للغاية.
حياتـــه:
ولد مايكل آنجلو في مقاطعة توسكانا. كان والده قاضيا على بلدة كاربيزي، وهو ينتمى إلى عائلة "بيووناروتي" العريقة في المنطقة. نشأ وتلقى المعارف الأساسية في فلورنسا، قبل أن يُرسَل إلى بلدة "سيتينيانو" ليتتلمذ على يد أحد النحاتين، كان والده قد اشترى مقلعا للرخام وضيعة صغيرة بالقرب من المكان، فأراد أن يعد ابنه ليتولى أمورها.
إلا أن "مايكل آنجلو" أصر على أن يتبع أستاذه الجديد، "دومينيكو غيرلاندايو" أحد ألمع الرسّامين في فلورنسا، استمر في العمل في ورشته مدة ثلاث سنوات (منذ 1488 م). تأثر أثناء هذه الفترة بأحد تلامذة "غيرلاندايو" فقرر أن ينتقل من الرسم إلى النحت. لاحظ أستاذه الجديد تفوقه ونبوغه، فقدمه إلى حاكم المدينة "لورونزو من ميديتشي". كانت الأفكار التحررية منتشرة بين أوساط رجال بلاط حاكم فلورنسا، فتأثر بها "مايكل آنجلو".
توفي "لورونزو من ميديتشي" عام 1492 م، ورفض ابنه وخليفته أن يتولى "مايكل آنجلو"، ثم أخذت الأوضاع السياسية تضطرب في المدينة مع انتشار أفكار الراهب "سافونارولا"، دفعت هذه الظروف الجديد بـ"مايكل آنجلو" إلى الانتقال إلى بولونيا، استقر هناك لمدة ثلاث سنوات قبل أن يستدعيه (عام 1496 م) إلى روما الكاردينال جورج، تأثر أثناء هذه الفترة بفنون روما القديمة، وأنجر تمثالين: "باكوس" و"السيدة العذراء تنتحِب" (بييتا).عاد إلى فلورنسا (1501 م) بعد أن تم الإطاحة بأسرة الميديتشي وإعلان الجمهورية، فتعرف على ليوناردو دافينشي، وتلقى منه تقنيات جديدة، أضفى عن طريقها بعضا من الحيوية على أعماله (كيفية نقل الانطباع بالحركة والانسيابية في الصور والتماثيل الجامدة). أنجز أثناء فترة اقامته في فلورنسا أحد أشهر أعماله على الإطلاق (تمثال ضخم لداوود، طوله أربعة أمتار).
تم استدعاؤه إلى روما (1503 م) من جديد ولكن بطلب من البابا "يوليوس الثالث" هذه المرة، كلفه الأخير بانجاز الضريح الخاص به. بالموازاة مع عمله هذا، ألزم "مايكل آنجلو" نفسه بانجاز العديد من المشاريع الضخمة، وكان عمله على سقف الكنيسة السِكستية (نسبة إلى البابا سكست الرابع، 1471-1484 م) أشهرها على الإطلاق، استغرقه انجازها أربع سنوات كاملة (1508-1512 م).توفي البابا عام 1513 م، وحل محله ليون العاشر والذي ينتمي إل أسرة "ميديتشي" (حكام فلورنسا)، قام بتكليف "مايكل آنجلو" بإعادة تهيئة وزخرفة "كنيسة القديس لورنزو" في فلورنسا، قبِل الأخير العرض وعلى مضض، إلا أن الظروف حالت دون أن يكمل عمله فبقت واجهة الكنيسة عارية من الزخارف والرسومات.في أعقاب قيام الإمبراطور شارل الخامس بإطلاق يد جنوده لنهب مدينة روما عام 1527 م، تجرأ أهالي مدينة فلورنسا وأطاحوا (من جديد) بحكام أسرة ميديتشي. قام هؤلاء بحصار المدينة، واسهم "مايكل آنجلو" في انتزاعها عن طريق معالجته لأسوارها. سقطت المدينة عام 1530 م، وأعيد حكام أسرة ميديتشي.كلفه البابا الجديد "بطرس الثالث" بانجاز لوحة جصية على جدار المذبح في الكنسية السكستية، استمر في العمل سنوات 1534-1542 م قبل أن يكمل رائعته: "يوم الحساب". تم تعيينه عام 1546 مهندسا معماريا على كاتدرائية القديس بطرس. بعد حياة فنية حافلة، توفي "مايكل آنجلو" يوم 18 فبراير من سنة 1564 م عن عمر يناهز الـ89 عاما. عدا اشتهاره بالفنون التشكيلية كان ينظم الأشعار، وأظهرت الرسائل التي تركها حسه المرهف.


السيدة العذراء تنتحِب، أو بْيِيتا مايكل آنجلو، 1498
بيتتا العذراء تنتحب، يجسد العمل تصويرا للسيد المسيح وهو في حضن أمه مريم العذراء بُعيد إنزاله عن الصليب.

داوود، تمثال لـ مايكل آنجلو، 1498 م
تمثال داوود، حول قصة داوود وجولياث من العهد القديم حيث يقوم الشاب داوود بقذف صخرة تجاه العملاق جولياث ليقتله.
منحوتة قبر يوليوس الثاني

وهو عمل فني على قبر البابا يوليوس الثاني حيث وضع لاحقا في نهاية كاتدرائية القديس بطرس في روما.

سقف كنيسة سيستاين وهو زخرفة سقف كنيسة سيستاين في الفاتيكان. خلال الفترة الواقعة بين سنة 1508 و 1512

خلال الفترة الواقعة بين سنة 1508 و 1512 قام مايكل أنجلو بإبداع واحدة من أجمل المخططات الرسومية التمهيدية لزخرفة سقف الكنيسة البابوية في الفاتيكان. فمن خلال رسومه المتشابكة وزخارفه المعقدة استطاع تصوير قصة سفر التكوين لدي الإنجيل بدءاً من فصل الظلام عن النور ( فوق المذبح) مروراً بقصة سيدنا آدم وحواء منهياً بقصة سيدنا نوح عليه السلام. وخلال الزوايا وزع عدة مشاهد تتناول العديد من القصص الدينية. وأهم ما في العمل صورة ( خلق آدم ) ( 1508-1512) لما لها أهمية من طريقة العرض القوية التي تجمع ما بين المعني العميق وجمال الصورة ووضوحها. حيث يتموضع سيدنا آدم بشكل ممتد علي الأرض بشكل يتلاقي مع الخالق (جل جلاله) ..وبطريقة مدهشة استطاع مايكل أنجلو أن يصور قصة الكتاب المقدس حول خلق الله لآدم من التراب من خلال جعل آدم يضطجع علي الأرض وهو يمد يده بهدوء نحو الطاقة الإلهية لتمنحه القوة والحياة.


لوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستايت في روما
مرة أخري تم استدعاء مايكل أنجلو للعمل في كنيسة سيستاين (السكستية ) سنة 1534 حيث كلف بمهمة زخرفة الحائط فوق المذبح (يوم القيامة 1536-1541).
قام مايكل أنجلو بإنجاز رسومات تتحدث عن نبوءة عودة السيد المسيح قبل نهاية العالم ضمن مشهد صوره وهو(السيد المسيح) يقوم بتوجيه ضربة للشرير (الشيطان) بينما يده اليسري وبرقة تطلب الرحمة والمغفرة له، وبجانب السيد المسيح كانت مريم العذراء وهي تنظر إلي الحشود الغفيرة المنبثقة من القبور جميعهم من الكهنة والصالحين صاعدين نحو الجنة ( الفردوس ) صورهم مايكل أنجلو عراة وبكميات ضخمة ربما ليؤكد النبوءة التي تقول بأنهم سيعودون صحيحو الجسد والروح.
















ملخص الأعمال الفنية لمايكيل انجيلو :
النحت :
معركة القنطور 1429 ، سيدة الخطوات 1491 ، صلب المسيح 1429 ، قبة سان دومينيكو 1494 - 1495، القديس بيترونيوس 1494 - 1495 ، القديس بروكلوس 1494 - 1495 ، باخوس 1496 - 1497 ، تمثال بيتتا 1499 - 1500 ، سيدة من بروجيس 1501 - 1504 ، تمثال داوود 1501 - 1504 ، القديس بطرس 1503 - 1504 ، القديس بولص 1503 - 1504 ، بيوس 1503 - 1504 ، سيدة وطفلها الرضيع 1503 ، سيدة وطفل 1503 ، القديس ماثيو 1505 ،منحوتة قبر يوليوس الثاني 1513 - 1516 ، تمثال موسى 1513 - 1515 ، العبد الثائر 1513 - 1516 ، موت العبيد 1513 - 1516 ، عبقرية النصر 1532 - 1534 ، العبودية والصحوة والاسترقاق 1519 - 1535 ، المسيح يحمل صليبه 1519 - 1520 ، رايشل 1545، بروتوس 1540 ، ليا 1545
لوحات :
معركة كاسكينا 1504 ، توني الشواطئ 1503 - 1505 ، القبر 1505 ، سقف كنيسة سيستاين 1508 - 1512 ، لوحة يوم القيامة 1534 - 1541 ، استشهاد القديس بطرس 1542 - 1550 ، إيمان القديس بولص 1542 - 1550 ((انفاْس انجلو)
عمارة :
واجهة كنيسة القديس لورينزو 1520 ، غرفة المقدسات 1519 - 1534 ، مشروع المكتبة الأنيقة 1524-1534 ، كاتدرائية القديس بطرس 1520 - 1546 ، ساحة كامبيدوجليو البرلمان 1539

***

السبت، 14 مارس 2009

بالنعل نعلو !!!


اليوم واجب عزاء .. هاتفنى أحد الزملاء مبكراً بخبر وفاة شقيق زميل آخر فى قرية مجاورة .. العزاء قاصر على تشييع الجنازة .. لا مجال إذاً للتأخير أو التقاعس عن أداء الواجب .
باقى من الزمن ساعة على صلاة الجمعة .. بالهاتف أيضاً .. اتفاق مع بعض من زملاء آخرين باستقلال سيارتي لحضور صلاة الجنازة على وجه السرعة .. وصول فى الموعد المناسب .. حيث لحظات قليلة وتبدأ شعائر صلاة الجمعة ..
المسجد مكتظ عن آخره بالمصلين .. وجمعٌ غفير من أهل القرية يفترشون المدخل والشوارع المحيطة .. ركعتى تحية قدوم المسجد .. فى انتظار استهلال الخطيب لواجبه المقدس من وعظ وإرشاد نحو هذا الجمع الحاشد من المصلين . فى الغالب الأعم يكون موضوع تلك الخطبة تمشياً مع مناسبة العزاء عن .. الموت ، البعث ، الحساب ، مروراً بتعداد مآثر المتوفى والدعاء له بالرحمة والغفران .. هذا ما عهدناه من مشايخنا الأجلاء فى تلك المناسبة .
يعلو الشيخ ........ درجات المنبر.. متزراً بعبائته البيضاء ذات الأطر المذهبة .. وقلنسوه الصغيرة التى تغطى نصف رأسه .. متمتماً بتعويذاته وأدعيته كما هو واضح من تعبيرات وجهه .. للوهلة الأولى أسعفتني الذاكرة بلمحة من الماضي البعيد .. شيخنا اليوم هو ذاته التلميذ ........ . زميل المدرسة الإعدادية .. ولا فكاك من أن تنشط الذاكرة أكثر فأكثر وتداعبني بلمحات من ماضي الشيخ الجليل .. وعلى طرافتها .. ترسم على شفتَي ابتسامة باهتة كان لابد من إخفائها تمشياً مع الموقف الجلل .. بل صار لزاماً عليا أن أنصت وأضع كل حواسى رهناً لما سيقدمه لنا شيخ اليوم .. تلميذ الأمس .. فى خطبته العصماء .. والتى تكبد لها عناء السفر والانتقال ليضعها اليوم بين يدى هذا الجمع الحاشد من المعزين المصلين ..
استهل خطابه بدعاء طويل على طريقة القوالب المحفوظة .. حيث من المعلوم أن لكل خطيب مقدمة خاصة به لا يحيد عنها فى الغالب .. مهما طال به الزمن أو تبدل موضوع خطبته .. وإن تمادى شيخنا اليوم فى تقدمته .. وصبغها بصبغة لحنية مبالغ فيها .. ممزوجة بأشعار فى مدح خير الأنام محمد (صلى الله عليه وسلم ) .. على طريقة المدائح النبوية المعروفة .. إذاً المقدمة تنبئ بأن موضوع الخطبة اليوم هو بمناسبة المولد النبوى الشريف .. انتقل شيخنا المستنير الى موضوعه مباشرة .. تعداد فضائل وكرامات رسولنا الكريم .. من باب أن من ينكر كرامات النبي فهو ليس على الدين الحنيف فى شيء .. ومن يتصدى لذلك فهو مدّعى علم .. والعلم والدين منه براء .. وأخذ يعدد من آيات ذكر الحكيم ما يؤيد أقواله .. ويستشهد بأحاديث نبوية .. ويدعمها بالسند الصحيح .. معدداً ذكر المرجع والباب والصفحة والسطر .. فى محاولة لتأكيد مصداقيته وموفور علمه فى العرض والتحليل .
يلقى الشيخ خطبته اليوم على طريقة خطباء شرائط الكاسيت المشهورين .. حيث الاحتراف والإجادة التامة لفن الإلقاء وتناغم الألفاظ ، ولحن الكلمات .. وجذب الانتباه بأى صورة من الصور .. بصرف النظر عن مضمون تلك الخطب ، وفكرها ، والموضوعات المستهلكة التى تتناولها .
أغمض الشيخ عينيه عن كل الناظرين .. وانطلق غير آسفاً فى جولته الخطابية آخذاً بناصية الحديث الذي استهله منذ قليل .. وهو التصدي لهؤلاء المنحرفين فكرياً .. المدّعين لبشرية الرسول ( ص ) .. بداية مستهجناً لفعلتهم الشنعاء وتلك والخطيئة التى وقعوا فيها .. وأن استنادهم للآية الكريمة " وما أنا الا بشر مثلكم يوحى الىّ ....... " هى من أكبر سقطاتهم .. حيث المقصود هنا ليس البشر أمثالنا .. ولكن بشر آخر اصطفاهم الله عز وجل .. بمعجزاته ، وكراماته ، وقربهم اليه دون باقى مخلوقاته .. هل يُعقل أن نقيس أنفسنا بدنياً ونفسياً وعقلياً برسول الأمة ! لا والله .. بل كلا وألف كلا .. استمعوا معى الى قول الشاعر فى مدح رسوله الكريم ... ووصلة لا بأس بها مرة أخرى من المديح والإنشاد على طريقة الموالد والليلة الكبيرة .. تنبىء بأن الشيخ مقدم على خطبة من طراز خاص فى المضمون والإلقاء .
" هات ما عندك يا شيخنا الجليل .. ونتمنى ألا تطيل علينا فى هذا الموقف الذى لا يحتمل الإطالة وإبراز المواهب " .. لسان حال الجميع يرتسم على الوجوه بدون الإفصاح ..
يكمل الشيخ حديثه .. تعالوا معى أفند لكم خصال وأوصاف رسولنا الكريم .. وهذا بيت القصيد من الخطبة .. هل شعر الرسول ( ص ) كشعرنا ! هل وجهه كوجهنا ! هل يده كأيدينا ! دمه الشريف كدمائنا ! هل ريقه وبصاقه الطاهر كما نحن ! .. هل قدمه .. هل نعله !!! .. سأعدد لكم اربع وعشرون خصلة فى الرسول الكريم تؤيد كلامي وأرد بها على هؤلاء المتطاولين على ذاته المقدسة ..
شعر الرسول .. يا سادة ... كان الصحابة يتقاتلون على مس شعره الطاهر بأيديهم ، ومن يحظى بشعره منه يغمرها فى الماء ويرتوي .. فإذا هى دواء له من كل داء ! .. وجه الرسول .. هو كالبدر المضيء فى الليلة الظلماء .. ووصلة أخرى من شعر المديح الذى يتسرب بين ثناياه بكل يسر .. لكثرة التداول والتكرار.. نأتى الى ريق الرسول وبصاقه .. لقد كان يتلقاه الصحابة ذات اليمين وذات اليسار بأيديهم ويمسحون بها على وجوههم !!! تبركاً وحماية لهم من نار الآخرة .. روى عن : ...... فى مسنده أنه قال : ...... . رواه البخاري ومسلم ، وحققه ...... فى مسنده ، فى باب ... صفحة ... السطر ... .( ضاعت منى التفاصيل للأسف الشديد فى غمرة الألم والعناء الذى تكبدته فى جلستى المُتعبة ، والزحام الخانق ).
إما يد الرسول ( ص ) فهى كلها معجزات وبركات .. إنه كان يرد بها على الأعمى بصره .. ويبرىء بها كل داء بمجرد أن يمس بها المعتل .. اليكم قصته فى حلب الشاه ...... وقصة أخرى فى خبز أهل الخندق ...... وقصة ثالثة فى تسبيح الحصا فى يديه ...... ، ورواية عن ......... الصحابى الجليل الذى حرًم على نفسه قص لحيته حتى طالت ساقيه .. كيف له ذلك .. وقد مسها الرسول الكريم بيديه الشريفة .
هذا بعضٌ من قليل .. من مئات القصص التى تتناول بركة يد الرسول ( ص ) .. وننتقل الى دم الرسول الطاهرة .. هناك قصة شهيرة لسيدنا ....... حيث لعق جراح الرسول فى غزوة ..... فكانت براءٌ له من علته التى ألزمته الفراش سنوات وسنوات .. أما قدم الرسول فهل قدم الرسول كأقدامنا ! قدمٌ وطء بها السموات العلى ، قدمٌ صعد بها الى سدرة المنتهى .. قدمٌ ..... ،
وأخيراً نعل الرسول .. ( وهنا صار أكثر أهل المسجد الى كلل وملل وتبرم فى جلستهم .. حتى ابدي من فى الصفوف الأولى تبرمهم بصوت مسموع حتى يحركوا ساكن الشيخ الذى مازال مصراً .. على إكمال رسالته ، وعلى هيئته الأولى التى صعد بها المنبر وهى إغماض عينيه عن كل ما حوله فى المسجد ). بعد محاولات مضنية من أهل المأتم لإثنائه عن موقفه .. وجاءت منهم صريحة تلك المرة .. " أنجز يا شيخنا !! .. فتح الله عليك .." .
تنبه أخيراً أنه قد أطال الحديث .. فقدم شديد أسفه على الإطالة وأن الموضوع يستحق منه هذا الشرح والتوضيح .. ومرة أخرى .. " اسمحوا لى بقليل من وقتكم !! وعذراً إذا كنت قد أطلت عليكم " .. بعد ساعة من الزمن !! ونصف المصلين خارج المسجد فى حالٍ يرثى لها ..
عاد الشيخ الى تعداد مآثر ( نعل ) الرسول ، وكيف أنه بهذا النعل المبارك صعد الى سدرة المنتهى فى رحلة الإسراء والمعراج .. بينما ( موسى ) عليه السلام .. قد طلب منه ربه خلع نعليه لمجرد انه بالوادى المقدس طوى !!! وجاء بقصيدة عصماء على لسان ( حسان بن ثابت ) شاعر الرسول .. يعدد فيها مآثر نعل الرسول .. مطلعها ( بالنعل نعلو ......... نعلٌ نباهى به الأمم ..... ) !!! أعادتني تلك القصيدة الى حالة الانتباه مرة أخرى .. حيث لم يسبق لى – وبكل أسف – أن مرّ عليا قصيدة بتلك المعاني أو بهذا المضمون ! .. ( إدراكاً للموقف ستكون خطوتى التالية بعد طرح تلك السطور العابرة .. أن افتش لدى جوجول الموسوعى عن قصيدة مطلعها ( بالنعل نعلو .... ) حتى أزيل بعض من شكوكى حول مصداقية الشيخ .. ومن على شاكلته من خطبائنا المعصومين) .
أخيراً .. يرأف الشيخ بحال المصلين الذين اختنقوا بزحام المسجد داخلاً ، والأكثرية خارجاً الذين اكتووا بلظى شمس الظهيرة.. ويتمتم بكلماتٍ على استحياء .. ولنا لقاء آخر ان شاء الله نوضح فيه للأخوة الفاضل بعض من مآثر وكرامات ومعجزات رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) !!
وما من يوم جمعة إلا وفيه ساعة إجابة .. ندعو الله جميعاً أن تصادفنا هذه الساعة .. الهى هذا حالنا لا يخفى عليك .. وهذا شقاؤنا ظاهر بين يديك .. فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك واليك .. وأختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين .. يارب العالمين ... ويرفع المصلين أكف الضراعة مرددين ( مستبشرين بزوال الغمة ) وفى صوت كله ابتهال .. آمين .. آمين .. آمين .

الخميس، 12 مارس 2009

القاهرة رايح جاى ..

اليوم .. الخميس الأخير من شهر فبراير .. موعد جلسة الطعن على التقدير الضريبى .. فى المقر العام للضرائب بالقاهرة . وذلك بناءاً على إخطار من لدنهم بحضوري الى العنوان المذكور فى موعد غايته العاشرة صباحاً مصحوباً بالمستندات !!
آخر مرة وطأت قدمى أرض قاهرة المعز منذ عامين تقريباً فى رحلة مدرسية اصطحبت فيها أسرتى الصغيرة الى حيث الماجيك لاند الشهيرة . .. فى كل مرة من مرات زيارتى المكوكية والمحدودة الى تلك المدينة الصاخبة أعود ولدىّ خليطٌ من الانطباعات المتضاربة .. هى مزيج من الحسد والأسى لحال قاطنى رقعة الزحام هذه .. الحسد لما توفر لديهم من إمكانات ترفيهية ومظاهر حضارية ليس لنا أى نصيب منها فى مدننا الإقليمية النائية .. أما الأسى فهو من حال الضجيج والزحام الخانق الذى يدور فى فلكه هؤلاء المساكين ..
بدأ يومى مبكراً على غير العادة .. مع آذان الفجر .. خطوات معدودة فى شوارع مدينتى الصغيرة التى مازالت تغط فى نوم عميق .. سيارة وحيدة ماركة البيجو العتيق تستجدى الركاب الذين يتجهون صوب المكان فى استفسار من السائق على استحياء .. ( عبود .. عبود .. ) .. من الواضح أنني الراكب الوحيد حتى الآن .. إخترت مقعدى خلف السائق لأسبابى الخاصة التى قد يكون من بينها خوفى من رعونة سائقى تلك المركبات بالتحديد .. ولى معهم تجارب مؤسفة فى رحلات يعود زمانها الى ايام الشباب وفترة التجنيد فى سيناء على وجه الخصوص .. لحظات وتوافد الركاب واحد تلو الآخر .. وإن إستغرق الوقت نحو الساعة حتى اكتمل العدد .. وباستفسار عابر من سائق المركبة " عم ابراهيم " كما تعارفنا فيما بعد خلال رحلة الذهاب والعودة .. أوضح لنا لغز ركود الحركة هذا اليوم .. حيث أنه نهاية الأسبوع مما يعنى انه يوم عودة المسافرين وليس العكس ..
استههلنا رحلتنا بتلاوة فاتحة الكتاب الكريم .. كما أوعز الينا قائد المركبة .. ثم التوكل على الله ..
فتش سائقنا فى أشرطته المبعثرة بجانبه على شريط الشيخ " محمد الامام " بالتحديد .. وعجبت من إصراره على الامام بالتحديد .. فكان رده أنه يتفائل به !! إنطلق صوت شيخنا الجليل " يجلجل " بتلاوة الذكر الحكيم .. وماهى إلا لحظات إلا وتمطى كل راكب فى جلسته متخذاً وضعاً يوحى بإستكمال نومه الذى لم يكتمل .. آخر شىء يمكن ان يراودنى أثناء سفرياتى القليلة تلك هو النوم .. فانتقلت بناظرى وسرحت بخاطرى الى حيث الحقول المترامية الأطراف على جانبى الطريق .. ودارت فى رأسى خليط من ذكريات الماضى .. وأحداث اليوم المقبل عليه .. الى وساوس وصور سوداوية كثيراً ماتطرق عقلى أثناء تلك السفريات الفردية .. ومالبث أن قطع الصمت " عم ابراهيم " آخذا بناصية الحديث مع رفاق رحلته الطويلة .. حيث تحرى المعرفة عن كل الركاب تقريباً ووجهتهم والغرض من الرحلة .. وكان لى نصيب من تلك المشاركة حيث إتخذ حديثه منحى آخر من قبيل معرفته السابقة بالوالد والأسرة والمشاوير التى كانت برفقتهم فى زمن الماضى الجميل ..
أولى محطات الوصول كانت الزقازيق حيث هبط أول الركاب قاصداً منطقة التجنيد .. شاب فى بداية المرحلة تحدد له رحلة اليوم مسيرة عامين قادمين هل سيتم تجنيده أم سيكون من نصيبه التأجيل المصحوب غالباً بالإعفاء من الخدمة العسكرية لاحقاً .. تَرَكنا الشاب مصحوباً بدعوات الجميع أن يكون الإعفاء من حظه ونصيبه ..
من الزقازيق الى بلبيس ثم إنشاص ( الطريق الزراعى ) .. حيث محطة وصول الراكب الثانى .. شاب فى ريعانه فى طريقه الى فرقة صاعقة كخطوة ترقى فى السلم العسكرى الى رتبة اليوزباشى .. هذا ماأشار به الى قائد الرحلة خلال الحديث الطويل الذى دار بينهما .. والذى تطرقا خلاله الى مناطق شتى من الحوار .. كنت من جانبى مشاركاً فيها بالانصات هذه المرة ..
على مشارف القاهرة حيث ابو زعبل بدخانها وترابها الذى يغطى المكان .. لا يفصلها عن شبرا الخيمة سوى قليل من المصانع المتهالكة والمبانى المتناثرة على جانبى الطريق .. لحظات قليلة وإنفرط عقد رفاق الرحلة واحداً تلو الآخر .. كلٌ الى وجهة محددة .. وكما كنت انا أول الركاب .. صرت بقدرة القادر آخر الركاب .. حيث فضلت ان تكون محطة الوصول هى ( عبود ) وليس (المؤسسة ) حيث السرفيس وليس المترو هو وسيلة الانتقال التالية .. تركت " عم ابراهيم " مودعاً إياه .. كأنه عشرة عمر وليس مجرد رفيق رحلة عابرة !
سرفيس من عبود – أحمد حلمى .. ثم آخر الى التحرير .. مترجلاً بعد ذلك مباشرة الى ميدان باب اللوق .. الساعة الآن تخطت التاسعة بقليل .. إستفسرت عن الشارع المقصود ( منصور ) .. فإكتشفت اننى فى نهاية الشارع حيث بدايته من ميدان لاظوغلى .. وصلت أخيراً حيث المقر المطلوب .. والقاعة المرقومة .. فى انتظار (المستشار)!! مع مجموعة من حاملى نفس الرقم .. حيث المبنى مقسم أقسام وقاعات لا حصر لها .. ويزخر بمظاهر الأبهة والنظافة التى لم نعتد عليها فى مصالحنا الحكومية .. مرت الساعة وأكثر ولم يشرّف حضرته .. أمضيتها على مضض فى اللاشىء .. إلا من بعض الاتصالات الهاتفية قطعاً لحدة الصمت والملل الذى انتابنى .. أخيراً الحادية عشرة .. مناداة الأسماء .. كان ترتيبى السادس .. الى الداخل .. طاولة كبيرة على رأسها شاب فى منتصف العمر .. أكيد هو بعينه المستشار .. على الجانب مجموعة من أربع أفراد .. بجانبى موظفة أمامها الملفات ومجموعة من الأوراق ..
سؤال مباشر ودون مقدمات .. ماوجه إعتراضك على تقديرات الضرائب ؟
رد مختصر - مقدماً يدى بورقة واحدة أعددتها مسبقاً على الكمبيوتر .. هى كل مذكراتى - : تلك سيادتك هى ملخص لكل ماتود الاستفسار عنه بخصوص شكواى ..
تناول الورقة .. مر علي سطورها الأولى .. إتجه للموظفة يملى عليها : يحفظ الملف للإطلاع على المذكرة المقدمة من العميل ..
- وقّع .. تم التوقيع ..

- لديك أقوال أخرى ! متشكرين ..
بالضبط خمس دقائق .. انتهت المهمة بسلام .. أما القرار.. فباستفسار منى للسكرتير خارج القاعة .. كان رده .. سيتم إخطارك بصورة منه فى حدود اسبوعين أو أكثر .. افادكم الله ..
اليوم مازال بطوله .. وليس من المعقول أن تكون تلك هى كل أحداث الرحلة ..
بمجرد هبوطى الشارع تذكرت أننى مازلت بدون إفطار .. أمامى مباشرة فرن أفرنجى تفوح منه رائحة الخبز الطازج .. إحترت فى المعروض .. إستقر إختيارى على بعض من قراقيش الملبن والعجوة .. بقى أن أجد مقهى أتناول فيه مشروب ساخن مع الافطار .. للأسف الشارع بطوله لم يكن به أثر لمقهى .. تناولت القراقيش واحدة تلو الأخرى أثناء سيرى فى الشارع على طريقة الصعلكة التى كنت أمارسها فى الماضى .. مرة أخرى فى باب اللوق .. تليفون الى أحد الأصدقاء حيث مقر عمله فى طلعت حرب .. جاءنى رده ان الموقع انتقل الى ش الجمهورية وهو فى انتظارى هناك ..
المنطقة الوحيدة التى أجيد الانطلاق فيها بداخل القاهرة وبإجادة تامة .. هى مثلث التحرير- العتبة - رمسيس .. وكم شهدت جولاتى المكثفة فى تلك المنطقة بالتحديد فى وقت كان لى محل عمل وإقامة فى القاهرة .. حيث كان التسكع فى طرقات تلك البقعة وملحقاتها من الموسكى والحسين .. الى ش. قصر النيل والجزيرة .. وحتى الوكالة والكورنيش .. من الأمور المحببة لنفسى .. لم ولن أنسى تلك اللحظات الجميلة التى عشتها فى تلك الفترة التى لم يطول بها الزمن ، ولم يسعفنى الوقت آنفاً أن أعيدها مرة أخرى .. ومابقى منها سوى تلك الذكريات كلما مر بى الوقت وسنحت الفرصة لإقتناص لحظة من تلك اللحظات الجميلة ..

توجهت مباشرة الى حيث المقر الجديد للبنك المركزى بالعنوان المذكور .. مروراً بشارع طلعت حرب الى ميدان الأوبرا ومنه مباشرة الى نهاية ش الجمهورية .. هالنى منظر المبنى بفخامته المبالغ فيها .. وتمتمت بحديث مع نفسى حاسداً قريبى هذا على ما أغدق الله عليه من نعمه .. تليفون مرة أخرى .. حدد لى تفاصيل مكانه بالداخل .. وهنا أيضاً زاد حسدى .. وأول كلام بيننا بعد السلام والتحيات .. "مش عاوزين عمال عندكم هنا مؤهلات عليا !!" هذا على سبيل المزاح .. استقبال طيب .. وشاى وسندوتشات .. ونصف ساعة دردشة .. الوقت تقريباً نصف النهار .. تركته مودعاً حيث أستكمل جولتي ..
العتبة .. ومالها من ذكريات كثيرة لدى .. لابد من جولة فى المكان لبعض الوقت .. أخرج مافى جيبى من نقود أحسب قيمة مايمكن شراؤه ومايكفى لأجرة العودة .. عادة متأصلة لدى .. طالما فى أى سفر لابد أن ارجع خاوى الجيوب .. جولة سريعة على فاترينات المحلات .. قرار سريع بالشراء .. هذا قميص جينز طالما رغبت فى إقتناؤه .. وهذا البنطلون قياس الابن الأكبر ، أما هذا فيناسب الثانى .. لا مانع من إثنين جينز طالما سعره معقول .. وبالمرة هذا الحذاء الرياضى مطلوب .. وجاء فى وقته .. بقيت أم الأولاد لابد من إرضائها بشىء .. حسب ماتبقى من نقود .. نظرة أخرى على فاترينة المحل .. هاتنى هذا التريكو إنه قيم وسعره معقول جداً .. صفقة طيبة .. وترضى الجميع .. أنظر الى ساعتى .. تخطت الثالثة بقليل .. أدركت مدى ضياع الوقت فجأة .. هرولت مسرعاً من العتبة الى رمسيس .. مازلت أمارس نفس خط السير القديم ( ش كلوت بك ) .. سرفيس الى عبود مرة أخرى ..
وهنا المفاجأة الغير متوقعة .. ركاب بالآلاف .. ولا توجد سيارات بالمرة .. ساعة تلو الأخرى .. ولا أمل فى اللحاق بمقعد فى سيارة متجهة نحو الزقازيق أو ماشابهها .. قرار أخير .. حلاً للموقف .. العودة الى مدينة نصر حيث محل إقامة الصديق سالف الذكر ..
فى طريقى الى خارج موقف السيارات .. المح سيارة " عم ابراهيم " فى طريقها الى الداخل ، ولكن للأسف محملة بالركاب !! ولكونى منقطع عن تلك الأسفار منذ زمن بعيد .. فقد اكتشفت ان الركاب تستقل السيارة قبل دخولها الى المقر المعهود .. ماإن رآنى الرجل .. إلا وأفرغ السيارة من ركابها بالكامل بمجموعة من الحجج والمبررات الذكية .. ثم أعاد ترتيبها مرة أخرى لأكون أنا من بين ركابه !!!
تنفست الصعداء بمجرد أن إتخذت لى مقعداً فى السيارة .. وبدأت رحلة العودة قرب الساعة الخامسة .. جاءنى إحساس بمدى طول اليوم وأحداثه .. ومر الوقت بين حديث مع قائد مركبتنا الهمام ، وبين إغفاءة وأخرى على أثر مشقة اليوم .. الذى أمضيت معظم نهاره سيراً على الأقدام ..
ولأعود سالماً الى أحبائى الصغار بعد عناء يوم سفر طويل.. الى القاهرة رايح جاى ...

الأحد، 8 مارس 2009

شخابيط على هامش الصفحة ...



شخابيط على هامش الصفحة
مجموعة من الكتابات المتواضعة التى شاركت بها فى منتدى ( مقهى الساخرين )
وهى من أقرب الأطروحات الى نفسى لما بها من مسحة البساطة والصدق مع النفس
وكانت ضمن زاوية ( الركن الهادى ) وهو المعنى بالكتابات التى بها بعض الخصوصية ولا تعقيب عليها أو ردود ...
وجاءت أول أطروحة على هذا النمط ..

***
كلمات .. سطور .. قد تمتد الى صفحات وصفحات ..
هى من قبيل الفضفضة .. أو الحديث مع النفس ..
ماأحلى هذا الركن الهادىء وكم مرة تمنيت أن أتخذ لى مقعداً دائماً به .. بعيداً عن الصخب والضجيج الذى يلف المكان .
كم مرة هممت أن انزوى هنا .. أراقب مايحدث حولى فى هدوء .
أجلس مع نفسى أحادثها ..
لا يهم أن يسمع الآخرين ماأقول ، أو حتى يلمسوا تواجدى .
جميل بالفعل .. أن يُترك للإنسان مساحة يتحدث فيها .. دون أن يقاطعه أحد .
دون أن يُحجر على فكره أو يحاسب على هفواته وسقطاته أو يصحح له شخص ما قاموس كلماته .
وقد يفند أحلامه .. هذا حلم مشروع ، وآخر من أين اقتبسه !!
***
ستكون كلماتى هنا مباشرة .. بعيدة عن التنمق ، وانتقاء الحروف والألفاظ.
من أم رأسى مباشرة الى أطراف اصابعى . لتتراقص أمامى على شاشتى .
فلا دخل لأحد .. إن جاءت بها شطحات . أو نطحات ..
فهى غير معنية بهذا الأحد..
لا دخل لأحد .. إن جاءت كلماتى ركيكة غير مسيسة .. فهى خارج نطاق المفاخرة والمبارزة
***
رجاءاً من لم يجد فيها ضالته . أن يتركها غير آسفاً ..
ولا يضيع وقته ، ولديه فى جنبات المقهى الكثير الذى يستحق المتابعة والمساجلة .
***
مقدمة لابد منها لتوضيح ما أنا قادم عليه ..
فهى بالفعل ستكون
شخابيط على هامش الصفحة
***

الحيـــاة ..
من وجهة نظر خاصة .. وكما خبّرتنى الأيام .
هى سرد من الأحداث .. فى رواية هزلية . عنوانها ( علامة استفهام ) ..
فى كثير من المواقف تسخر منا وتطحننا حتى نرفع راية الاستسلام ..
وفى مواقف أخرى تدغدغ مشاعرنا فنُقبل عليها مستبشرين ، تراودنا الأحلام ، ونسبح فى الأوهام .
وبين هذا وذاك تمر بنا الأيام ..
فلا ندرى هل عشنا الحياة .. أم هى التى عاشت فينا !!!

***

الوطـــن
كلمة ممسوخة .. ممجـوجة ..
لم تعد لها الصدى ولا الوقع المريح فى النفس
باعنا الوطن بالرخيص .. فلما نحن لا نبيع !
أهاننا .. أذلنا .. إستعذب آهاتنا
وبعد ذلك واجب علينا أن نطيع !
...
وطنى.. من أجد به إنسانيتى
وطنى.. من يحفظ على كرامتى
وطنى.. من ألقى به أمنى وسلامتى
وطنى.. من أحيا به عزيزاً مسيداً ولا يصادر حريتى .
...
أشك أن يكون هذا " البلد " وطنى !!!

***

إضحك الصورة تطلع حلوة
شعار يرفعه الجميع من بنو البشر
وبلا إستثناء ...
ولكن الشعار لدينا له قدسية أكثر من الآخرين
ونمارسه بحرفية أدق من الآخرين
...
إذا عددنا كم الزيف والخداع الذى نمارسه فى حياتنا اليومية
لوجدنا أننا نضيع اكثر جهدنا فى رسم " صورة "
" صورة " رسمها لنا المجتمع فى مجموعة الأعراف والشكليات التى لابد أن نلتزم بها
" صورة " إرتضيناها نحن لأنفسنا .. لنضعها فى إطار يرانا من خلاله الآخرين ..
ولابد لنا أن نوازن بين الصورة التى ترضى المجتمع ، والصورة التى إخترناها لأنفسنا .

***

حلــم يقظــة
لو لم أكن أنا " أنا " .. فمن تمنيت أن أكون !!!
سؤال بسيط .. قد يسأله أى منا لنفسه .. فى لحظة " روقان " .. أو " سرحان " ..
...
سألت نفسى !! وتعجبت لإجابتي ...
...
أتمنى أن أحيا حياة بدائية فى العصور البائدة ..
المكان .. جزيرة نائية ..
المهنة .. راعى غنم .. أو صائد سمك ..
الهوايات .. نظم الشعر .. وتزيين جدران الكهوف ..
الأمنيات .. تكوين قبيلة من الأبناء .. أنا السيد الحاكم بأمرها ..
...
أحلام غير مشروعة !!!
***

الخميس، 5 مارس 2009

عُدت يا يوم مولدي ...


اليوم الخامس من شهر مارس ...
يوم ككل الأيام التى نمر بها مر الكرام دون أن نعيرها أى إهتمام ... لولا أنه صادف هذا اليوم .. يوم مولدى ... وهذا مايحدو بى أن اقف حياله وقفة ...
وقفة تأمل ! أم تفكر وتدبر ! أم محاسبة ! أم كل تلك الوقفات مجتمعة !
إذا أخذتها بمنطق الحساب .. فما أسهل حصر السنوات التى إنقضت من العمر .. حيث اتممت اليوم عامى الخامس والأربعون ... وتلك بالتحديد تستحق وقفة تأمل ...
أين ! ومتى إنقضت كل تلك السنوات ! ليس لدىّ من الأدلة مايكفى لإقناعى بأننى مررت بهذا العدد الهائل من السنوات .. فعلاً هذا الرقم .. أزعجنى .. بل آلمنى كثيراً .. وقفت حياله وقفة تأمل طويلة ... وأثار فى رأسى التساؤلات تلو الأخرى ...
أين أنا من هذه السنوات ! هل ضاعت منى دون أن أدرى ! هل حققت فيها شىء من أحلامى أو طموحاتى ! هل إستحقت تلك المسيرة الطويلة كل هذا العناء والشقاء ! هل صادف تلك السنوات حظٌ من لحظات الرضا والسعادة يستعيدها الخاطر من وقت لآخر ويزكى بها قناعاتنا بأننا عشنا حياتنا كما ينبغى !
أما وقفات التفكُر والتدبُر فهى تجرنا الى الحاضر الذى نحياه .. والمستقبل الذى صرنا نخشاه .. ألاّ يمهلنا بسنواته المتبقية لكى نحقق بعض من آمال وطموحات اُجلت فى الطريق ، ولم يسعفنا الماضى لتحقيقها .
تتردد فى خاطرى الآن كلمات .. كثيراً ماأحببت ترديدها وسماعها .. واقلب فى ثنايا حروفها التى صاغها المبدع ( كامل الشناوى ) .. بطريقة سهلة ومباشرة دون غوص وتلوى فى الألفاظ .. وأُسقطها مباشرة على حالى اليوم .. فأجدها هى الأكثر تعبيراً وتصويراُ لما أنا عليه الآن من مشاعر متلاطمة ومتبدلة .. فكانت هى الأولى أن أعيدها هنا بين سطورى لتكمل الصورة ، وتعزف على وتر الأحزان .
تقول الكلمات :

عُدت يا يوم مولدي ... عُدت يا أيها الشقي ...
الصبا ضاع من يدي ... و غزا الشيب مفرقي ...
ليت يا يوم مولدي ... كنتَ يوما بلا غد ...
ليت أني من الأزل ... لم أعش هذه الحياة...
عشتُ فيها و لم أزل ... جاهلا أنها حياة ...
ليت أني من الأزل ... كنت روحا و لم أزل ...
أنا عمرٌ بلا شباب ... و حياةٌ بلا ربيع ...
أشتري الحب بالعذاب ... أشتري فمن يبيع؟
أنا وهمٌ ... أنا سراب ...

وماأجمل أن تصل الى الأسماع تلك الألحان بصوت الرائع ( فريد الأطرش ) .. لتضفى على الكلمات رونقاً وجمالاً يصل الى حد الكمال .
عودة مرة أخرى الى ( يوم مولدى ) ، أو مايحلو للكثيرين بتسميته ( عيد الميلاد ) .. وبهذه المناسبة فهناك الكثيرين الذين يجُر اليهم هذا اليوم الأحزان ( وأنا من هذا الصِنف من البشر ) .. إذ كيف يحتفل الانسان بإنقضاء عام من عمره ! هل لأنه مرّ على خير .. ودون عواقب ! أم إحتفاءاً بقدوم عام جديد سيحقق فيه آمال أخرى ! أم أن هناك فلسفة أخرى وراء هذا الاحتفال لم أعيها حتى الآن !
الأَولى ( من وجهة نظر خاصة ) أن يأسف المرء على عام إنقضى من عمره .. بصرف النظر عن أحواله فى هذا العام . وكلما زاد عدد السنوات المنقضية كلما قل الرصيد المتبقى له من العمر ... فهل الأجدى به أن يفرح أم يحزن !!!
اليوم وإحتفاءاً منى بهذه المناسبة ... أعطيت نفسى أجازة من العمل .. وخلُدت الى راحة وكسل فى الفراش حتى ساعة متأخرة .. وليس لدى نية للإقدام على أى إنجاز أو عمل اليوم .. فأنا اليوم ( فقط ) سأعيشه لنفسى وفقط .. ليت الآخرين يَدَعونى وتلك اللحظات من التجلى ولا يأتينى مايعكر صفو هذا اليوم .. واليوم ( فقط ) ...
الوقت الآن منتصف النهار .. والتزاماً منى بالقرار أعلاه .. العمل الوحيد الذى قدمت عليه اليوم هو سرد تلك السطور ... وإشعال تلك الشمعة ( التخيلية ) .. حتى لا تكون ذكرى مرور العام الخامس والأربعون كسابقته من الأعوام .. فتلك الكلمات وهى فى لحظات الصدق والمسالمة مع الذات هى الأبقى والأجل من كل الاحتفالات .. لعل فى العمر بقية ويكون لى عودة الى تلك السطور فى أعوام قادمة .. وفى حينها يصبح لها على عفويتها وذكرياتها وقع خاص فى النفس .
ألقاكم فى عامى القادم على خير إن شاء الله ... أطال الله فى أعمارنا وأعماركم ...

الثلاثاء، 3 مارس 2009

ياتعليم يا .........


- من سييء الى أسوأ هو اقل ما يوصف به حال التعليم فى مصر فى أعوامه الأخيرة على الأقل .. منظومة من الفشل الذريع هى حال الوزارة المنوط بها حال التربية والتعليم فى البلاد .. وإن كان الفساد قد طال كافة أنشطة المجتمع .. فإنه فيما يخص التعليم فقد اصاب مقدرات هذه الأمة فى مقتل ..
بنظرة متأنية وفاحصة للوضع القائم .. تظُن بالمرء الظنون .. وكأن هناك مؤامرة تُحاك للنيل من هذا الشعب بجره الى أسفل سافلين بين الأمم ، والإلقاء به الى مزبلة التاريخ الى غير رجعة .
وقد تبنى الكثيرين " نظرية المؤامرة " تلك منذ العقود الفائتة .. بعد أن تخلى عنا ( السوفييت ) أو الأصح ابتعدنا نحن عن أحضانهم التى لم تعد تبعث الينا بالدفء والحنان .. الى حيث الغرب ، وعلى الأخص المتحدة الأمريكية .. التى صرنا بين عشية وضحاها نتعبد فى محرابها لعلها تعوضنا الأمومة المفقودة لدى المعسكر الشرقى المتحلل . حتى صار هؤلاء الأمريكان هم ( الشماعة ) التى نعلق عليها كل مشاكلنا وهمومنا .. إذا جاع الشعب أو تعرى فهو مخطط أمريكى .. إذا تعثر قطار فى قضبانه الحديدية فأمريكا وراء تلك المؤامرة .. إذا ضاعت القيم وخربت الذمم فهؤلاء الملاعين هم المحرضين .. أليست أفلامهم ومسلسلاتهم على شاشاتنا ليل نهار !!
أليسوا هؤلاء الكفرة تحركهم أحقادهم وغيرتهم منا لأننا شعوب مؤمنة ومسلمة ونؤدى فروضنا بلا كلل ولا ملل .. ألم يذكر رب العزة جلّ وعلا فى قرآنه الكريم .. الآيات " ... " التى تحثنا على قتال هؤلاء الكفار .. ألم يوصنا رسولنا الكريم على جهادهم فى الأحاديث الشريفة " ... " التى تفرض علينا ألا نتقاعس عن قطع رقاب هؤلاء الذين إعتدوا علينا فى عرضنا وديننا وأموالنا .. وتجد بين يديك زخم من الآيات والأحاديث المنتقاه التى تدلل على هذا ، ويندرج كل ذلك تحت أدلة وبراهين تلك النظرية الفريدة التى لاقت رواجاً عظيماً بين كافة طبقات المجتمع .
إنشغل العالم بنظريات الطبيعة والرياضيات والفلسفة .. وإنشغلنا نحن بوضع نظربة ( تفصيل ) .. خرجنا بها بعد عقود من التحليل والبراهين أسميناها " نظرية المؤامرة " ندلل بها فقط على فشلنا فى تحديد موقع لنا بين الأمم المتحضرة ، ونريح بها ضمائرنا التى تئن من وقت لآخر .. حتى تخلد الى النوم فى كهفها المظلم الى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً .
بالطبع النظرية لم تستثنى حال التعليم لدينا من نظرية المؤامرة .. فهؤلاء سيئى الذكر .. هم وراء تبديل المناهج الدراسية ، ونظريات " التقويم الشامل " ، والجودة الشاملة ، وحتى كادر المعلم ، ومسميات أخرى كثيرة لم نكن نعلم عنها شىء.. فرضها هؤلاء علينا - رغماً عنا ! - من أجل أن يتدهور تعليمنا ، ونظل نحن على تخلفنا ، وتبعيتنا لهم .. أليسوا هم مستعمروا العصر الجديد .. والاستعمار لم يعد بالسلاح .. بل اصبح استعمار فكرى !!!
كلام فارغ بالطبع .. " نظرية المؤامرة " تلك .. التى نسحبها على امريكا وأتباعها ..
المؤامرة الحقيقية هى التى يحيكها لنا هؤلاء أصحاب المقاعد الوثيرة والياقات البيضاء .. هؤلاء الطغمة التى حكمت وتحكمت ، وفى يدها زمام الأمور ومقدرات الشعوب .. تسيرها وفق أهوائها .. والتى لم تخطو بها خطوة واحدة الى الأمام .. بل دائماً فى تقهقر واضمحلال .
فيما يخص التعليم .. فحدث ولا حرج .. نهضة علمية غير مسبوقة فى التاريخ المصرى .. تمثلت فقط فى التوسع الملحوظ فى تشييد المدارس فى أطراف البلاد القاصى منها والدانى ، والتى واكبت زلزال التسعينات الشهير .. حيث طالت تلك النهضة الريف والحضر على السواء .. ولكن تزامن هذا التطاول الهائل فى البنيان .. تقزم موازٍ له فى العنصر البشرى .. متمثلاً فى القوة التعليمية المنوط بها بناء العقول ..( تماماً مثل استثمارت أهل الخليج أموالهم فى الحجر دون البشر ) .. وجاء هذا التقصير معاصراً لحقبة الخصخصة وتخلى الدولة عن كثير من أدوارها ومن بينها تعيين أفراد لسد العجز فى المواقع المختلفة .. حتى صارت لافتة مدرسة بلا مدرسين ( أساسيين ) هى الشائعة .. واعتمدت قى سد تلك الثغرة بما يعرف بمدرسى المكافأة أو الحصص .. ( إختراع أكيد ليس له مثيل فى العالم ) ..
أضرب مثال واحد فقط من الواقع على تلك المعضلة ( وبالقياس على الباقى ) .. أعمل فى تدريس مادة الحاسب الآلى .. فى إدارة تعليمية بها ( 7 ) مدارس تجارية .. تضم مالا يقل عن ( 60 ) فصل دراسى .. تتطلب توافر هيئة تدريس على الأقل ( 16 ) مدرس .. يعمل بالادارة المذكورة ( 2 ) مدرس اساسى ، والباقى بنظام ( الحصص الزائدة ) .. وهذا الوضع قائم منذ مايقرب العشر سنوات .
إذا تعرضت لهذا القطاع من التعليم ( الفنى ) فالصورة ( غامقة اللون ) وتصل الى حد الاستفزاز والنفور منها .. فلا هو تعليم ، ولا يمت الى التربية بصلة .. وأنا كفرد فى منظومته .. أتحرج فى تعرية سوءاته والنبش فى مكنوناته .. وإن كان ولابد فالمرور على الإطار الخارجى فقط للصورة دون الخوض فى محتواها يجلى بعض من خباياها ..
تلميذ قادم من التعليم الأساسى ( 9 سنوات ) تعليم متصل .. تفرغ كامل .. وأعباء لا حصر لها على الأهل و( الدولة ) .. ولا يجيد ابسط قواعد القراءة والكتابة .. إرجع الى الرقم السابق .. ( 9 سنوات ) ولا يجيد مجرد ( فك الخط ) .. شىء مذهل بكل المقاييس .. وأتحدى أن يكون له مثيل فى العالم !! .. والمطلوب !! أن نستضيف هذا الكائن تحت بند ( طالب علم ) لمدة 3 سنوات أخرى .. بأى شكل من الأشكال .. كى يحصل فى النهاية على شهادة متوسطة ( دبلوم ) .. تعترف فيها الوزارة بأن هذا الخريج تعلم لديها لمدة ( 12 ) سنة ، وأصبح مؤهل علمياً لسوق العمل .. أى مؤهل !! واى سوق عمل ! لا أحد يعلم ..
اما عن أحداث تلك السنوات الثلاث .. فحدث مرة أخرى ولا حرج .. تشبه مدارسنا أكثر ما تشبه المصحات العقلية .. أو بتشبيه آخر ساحات ترويض الضوارى .. ولابد أن يتم ذلك وفقاً لمعايير ومقاييس منضبطة شكلياً تقرها وترسمها الوزارة .. يوم دراسى يبدأ بتحية العلم ( تحيا جمهورية مصر العربية ) .. ، مديرإدارة مدرسية ، مدير ، ناظر ، ووكلاء ، ومدرسون ( لو غاب أحدهم حصة يحول للشئون القانونية ) .. حصص دراسية مرتبة كأفضل مايكون .. إمتحانات ومراقبة وتصحيح يتم بمنتهى الدقة والنظام .. والأهم .. نتيجة المدرسة آخر العام لابد ألا تقل عن 90% .. هذا شرط حتى قبل أن تبدأ الامتحانات .. اما الـ 10% التى لم يصبها النجاح فى الدور الأول .. فحتماً موفقة فى الدور الثانى رغماً عن حقد الحاقدين ، ومعارضة المعارضين .. لا يهم إن كان هناك طالب لم يعرف طريق المدرسة من اين يتجه سوى يوم الامتحان ، أو طالب إكتفى بكتابة اسمه على غلاف ورقة الاجابة ووفر على المصحح عناء فك طلاسم كتاباته .. أما نسبة من فتح الله عليه ونسخ مافى ورقة الأسئلة الى الورقة البيضاء - وتلك هى المهارة التى أجادها على مدى أعوام تعليمه .. وكانت هى سر نجاحه وانتقاله من صف الى صف - فهؤلاء هم الغالبية الأعم فى تعليمنا الفنى .
أما عن أحداث اليوم الدراسى التقليدى فتلك قصة طويلة يطول شرحها .. وليست محل طرح اليوم .
الأهم منها الآن .. تساؤل يراودنى .. أليس هؤلاء السادة القائمين على العملية التعليمية من إدارات الى مديريات الى وزارة يعمل بها جيش جرار من ذوى الألقاب الرفيعة .. على علم بكل تلك التفاصيل !!!
الم يصادفهم مرة واحدة زيارة مدرسة من هذا النوع والوقوف على مايجرى بها .. إن لم يكن لديهم الوقت لزيارة المدرسة .. اليسوا هؤلاء التلاميذ هم المنتشرين فى الشوارع والأزقة على مدار اليوم بصورتهم الموحية بالضياع والتشرد !!
إذا كان هذا حال التعليم الفنى .. وهو الذى يستقطب النسبة الأكبر من هؤلاء التلاميذ فى تلك المرحلة العمرية .. والتى تصل الى نحو 75% تقريباً من العدد الكلى .. والمخرج النهائى له .. منتج عقيم متخلف فكرياً وعلمياً وفنياً .. لا هو بالمتعلم الذى إستفاد من سنوات عمره التى أمضاها تحت بند التعليم ، ولا هو بالفنى أو الحرفى الذى أتقن مهنة أو حرفة يمكن أن يعول بها نفسه أو يستثمرها لمستقبله .

وإذا كان هذا حال التلميذ القادم الى المرحلة الثانوى بعد 9 سنوات فى المرحلة الأساسية .. فلا داعى للخوض فى وضع تلك المرحلة وماآل اليه الحال بها ليكون هذا هو مستوى نتاجها !!! ناهيك عن التعليم الثانوى الذى أصبح ( أعجوبة الزمان ) لما يتم به من تخبط وضياع للبقية الباقية من هؤلاء الذين على مشارف تعليم جامعى عقيم ..

ليس الترتيب الأكاديمى للـ 500 جامعة على مستوى العالم .. عنا ببعيد .. والذى كان نصيبها منه هو ( صفر ) مثل صفر المونديال الشهير !!!

إذا ما تساءل أحد .. لماذا الإصرار على هذا الوضع المذرى الذى نحن عليه والذى يسوء عاماً بعد عام .. والجميع عنه غافلون !
أسئلة تحتاج منا الى إجابات .. أكيد ليست من بينها " نظرية المؤامرة " التى حملناها كل مآسينا ومشكلاتنا .
ليت هؤلاء المنوط بهم ناصية القرار .. أن يكون لديهم بقية من ضمير ، وينتبهوا الى ماوصل اليه حال التعليم فى البلاد على ايديهم .. وأن يتقوا الله فى أبناء هذا الشعب الذى فقد الأمل فى صلاح احواله المالية أو المعيشية أو حتى الانسانية .. ولكن مازال لديه أمل واحد فقط هو أن يترك أولاده على أول الطريق الصحيح ولو بأقل القليل من المؤهلات التى يستعيدوا بها كرامتهم بين شعوب الأرض .. والتى على رأسها الأخذ بأسباب العلم والتعليم ....